هيرمس
    مصر
  • 29℃ القاهرة, مصر

رئيس مجلس الإدارة

طارق لطفى

رئيس التحرير

أحمد سليمان

رؤى فلسفية

هل سنصبح عبيدًا للذكاء الاصطناعي؟ الفلسفة تجيب بـ «لا» صادمة!


الجواب الفلسفي الصادم على سؤال العبودية، صديقي القارئ، ليس في قوة الإنسان، بل في ضعف الآلة. الآلة، مهما بلغت من تعقيد، تظل أسيرة للمنطق الذي برمجت به. العبودية الحقيقية ليست أن تسيطر الآلة علينا، بل أن نتبنى نحن منطقها ونفقد قدرتنا على التفكير النقدي. الفلسفة الكانطية تعلمنا أن الحرية تكمن في التشريع الذاتي. طالما أننا نملك القدرة على مساءلة القوانين التي تحكمنا (سواء كانت قوانين طبيعية أو خوارزمية)، فإننا أحرار. العبودية تبدأ عندما نتوقف عن طرح الأسئلة، وعندما نرضى بأن نكون مجرد مستهلكين للقرارات. الآلة لا تستطيع أن تفرض علينا العبودية إلا إذا تنازلنا نحن عن حريتنا.
الفلسفة هي صوت السؤال الذي لا يمكن للآلة أن تجيب عليه، وهي القوة التي تذكرنا بأن قيمة الإنسان مطلقة، ولا يمكن اختزالها في أي معادلة تقنية. إننا أحرار طالما أننا نجرؤ على التفكير، ونتخذ من الوعي سلاحًا ضد الاستلاب التقني. يا عزيزي، هذا هو خط الدفاع الأول الذي يجب أن نتمسك به.
إن الفلسفة تقدم لنا «التمرد الوجودي» كآلية دفاع. هذا التمرد ليس بالضرورة فعلًا عنيفًا، بل هو رفض داخلي لمنطق الاختزال. إننا نرفض أن نكون مجرد بيانات، ونصر على أن نكون ذوات واعية. هذا الإصرار هو ما يكسر حلقة العبودية. إن التحدي يكمن في إعادة تعريف العمل والقيمة في عصر الأتمتة. إذا أصبحت الآلة قادرة على القيام بكل شيء، فما هو الدور المتبقي للإنسان؟ الفلسفة تجيب: الدور هو التفكير، الإبداع، والمساءلة الأخلاقية. هذه هي المساحات التي لا يمكن للآلة أن تغزوها. إننا لسنا عبيدًا للذكاء الاصطناعي، بل نحن سادته الأخلاقيون، طالما حافظنا على يقظتنا الفلسفية، عزيزي القارئ.
لكن العبودية في عصر الذكاء الاصطناعي تتخذ شكلًا جديدًا وأكثر دهاءً، وهو ما يمكن تسميته «العبودية الطوعية». نحن نختار أن نكون عبيدًا للخوارزميات لأنها توفر لنا الراحة والكفاءة. الفلسفة النقدية، خاصة مدرسة فرانكفورت، تحذر من «العقل الأداتي» الذي يختزل كل شيء إلى وسيلة لتحقيق غاية، حتى الإنسان نفسه. عندما نتبنى هذا العقل الأداتي، فإننا نصبح عبيدًا لمنطق الكفاءة، وهذا هو جوهر العبودية الجديدة، يا صديقي.
إن الحل يكمن في «استعادة العقل النقدي». يجب أن نرفض أن نكون مجرد مستهلكين للتقنية، وأن نصبح «مفكرين في التقنية». هذا يتطلب منا أن نتبنى «فلسفة للبطء»، ترفض منطق السرعة والكفاءة المطلقة الذي تفرضه الآلة. إن البطء يمنحنا المساحة للتفكير، للمساءلة، وللإبداع. إنها دعوة للتمرد على «الاستعجال الوجودي» الذي يقتل الوعي.
كما أن الفلسفة تذكرنا بأن الحرية هي فعل «تجاوز». أن نتجاوز الواقع المفروض، وأن نبتكر إمكانيات جديدة للوجود. الآلة لا تستطيع أن تتجاوز منطقها المبرمج، بينما الإنسان يمتلك هذه القدرة. إننا بحاجة إلى فلسفة للتربية تعزز هذه القدرة على التجاوز، وتجعل من «التمرد الفكري» قيمة عليا.
إن الإجابة الصادمة بـ «لا» على سؤال العبودية ليست مجرد تفاؤل، بل هي التزام فلسفي. التزام بأننا سنظل نتمسك بـ «الكرامة الإنسانية» كقيمة مطلقة، وأننا سنظل نصر على أن يكون الإنسان هو «المشرّع» و«المسؤول» في هذا العالم، يا عزيزي.
كاتب في السرديات الثقافية وقضايا الشرق الأوسط
[email protected]